بيان الفرع الروسي للتيار الماركسي الأممي، منظمة الشيوعيين الأمميين، عن المحاولة الانقلابية لبريغوزين في روسيا

تلقينا البيان التالي من قبل رفاقنا الروس، والذي كتب في وقت سابق من يوم السبت، بعد أن أعلن رئيس منظمة فاغنر، يفغيني بريغوزين، التمرد وتحرك طوابير من القوات باتجاه موسكو. انحسر الوضع الآن إلى حد ما، حيث أوقفت قوات فاغنر تقدمها وأُعلن عن أن بريغوزين سيذهب إلى المنفى، بعد مفاوضات سريعة. كانت هذه الأحداث، كما كتب رفاقنا في بيانهم، صراعا بين قسمين من الأوليغارشية الروسية. ومرة أخرى يثبت الأوليغارشيون أنه ليس لديهم أي مصلحة في تطوير المجتمع الروسي أو تحسين ظروف الجماهير الروسية. همهم الوحيد هو خدمة مصالحهم من خلال استغلال عمل العمال والفقراء والنهب والسلب وقمع أي معارضة جماهيرية حقيقية. إن السبيل الوحيد للخروج من هذا المأزق، السبيل الوحيد لإخراج العمال من ظروفهم الأليمة، والطريقة الوحيدة لمحاربة الحرب والفساد والانحطاط العام، هو أن تأخذ الطبقة العاملة السلطة بأيديها، ومصادرة ممتلكات جميع الأوليغارشيين واستخدام ثروات البلاد الهائلة لصالح الجميع. أي عن طريق الثورة الاشتراكية.

[Source]

اليوم، السبت 24 يونيو 2023، بدأت محاولة انقلاب يمينية في روسيا. وبعد ارتباك كبير احتشدت الطبقة السائدة الروسية حول الرئيس، وشجبت محاولة الانقلاب باعتبارها “خيانة غير متوقعة” و”طعنة في الظهر” ضد الأمة.

مع توالي ورود تقارير جديدة عن العمليات كل ساعة، يصير من غير المجدي إعادة سردها. إن ما يجب البدء به، أولا وقبل كل شيء، هو الحقيقة التي لا جدال فيها، وهي أنه توجد في روسيا بالفعل تشكيلات شبه عسكرية يمينية، مسلحة جيدا، ولديها خبرة في العمليات القتالية، وعلى استعداد لتحدي الحكومة الحالية.

لقد اقتربت روسيا خطوة من الحرب الأهلية، التي طالما استخدمها النظام لتخويف الجماهير والتي وعدنا بحمايتنا منها. لكن لم تكن المعارضة هي التي بدأت هذه الأحداث، بل الشركات الكبرى والعناصر اليمينية التي نشأت بسبب عودة الرأسمالية إلى روسيا وبسبب بوتين على وجه الخصوص.

يبدو تمرد فاغنر، للوهلة الأولى، مشابها لزحف موسوليني على روما، لكن المقارنة سطحية. فاغنر جيش خاص، ثمرة رأسمالية السوق الحرة الحديثة، حيث تعمل الدولة على تمرير أكبر عدد من وظائفها إلى الشركات الخاصة. قوات فاغنر، وعلى عكس العديد من الميليشيات المتطوعة داخل الحركة الانفصالية في دونباس التي ظهرت في عام 2014، برزت باعتبارها منظمة مقاولاتية لتوفير الدعم المسلح لعدوان الأوليغارشية الروسية في سوريا، عندما كانت هذه الأخيرة غارقة في الحرب الأهلية. ووفقا لتحقيق صحفي أجرته The Bell، فإن فكرة إنشاء مثل هذا الهيكل المقاولاتي ولدت داخل الجيش في وزارة الدفاع عام 2010.

والآن إذا تخلصنا من الهراء الذي أحاط به الوطنيون وشبكة من المراسلين العسكريين اسم يفغيني بريغوزين، فإنه أولا وقبل كل شيء أوليغارشي. وباستخدامه للعديد من العلاقات مع محيط بوتين، تمكن من بناء إمبراطورية تجارية ضخمة، بدء من متعهد لتقديم الطعام، ثم انتقل إلى العقارات، وأخيرا ضاعف ثروته بفضل عقود مع وزارة الدفاع. حتى أنشطته الإعلامية واسعة النطاق لم تكن أبدا منفصلة عن اهتماماته التجارية. كان لا بد له من دفع ثمن الحصول على العقود العسكرية. كان بريغوزين رجلا مفيدا لبوتين ووزارة الدفاع، ومستعدا دائما للقيام بالأعمال القذرة دون لفت الانتباه.

لماذا توقف عن لعب ذلك الدور؟

نظام بوتين البونابارتي هو نظام قمع من قبل البيروقراطية، أي من قبل الدولة، التي تتحكم حتى في الطبقة السائدة اقتصاديا. احتكار الدولة للعنف يكتسب هنا أهمية خاصة. أدت استعانة وزارة الدفاع بمصادر خارجية للقيام بالمهام في أوقات الحرب إلى تقويض هذا المبدأ بشكل مباشر. نشأت المزيد والمزيد من التناقضات الجوهرية، التي أدت إلى نشوب صراعات، بين موسكو وبريغوزين، والتي لم يكن السبب الرئيسي فيها هو السياسة، بل المال.

فرض شويغو[ وزير دفاع بوتين] عقودا على تشكيلات المتطوعين، والتي تسببت حتما في قطع التدفقات المالية عن بريغوزين وهددت بتحويله إلى شخصية صورية بحتة بدون سلطة. واجه بريغوزين الابتزاز المالي بحرب شنها على الصعيد الإعلامي. والتي كانت حربا من جانب واحد بالنظر لموارده الإعلامية.

لا يختلف بريغوزين في برنامجه الاقتصادي الحقيقي عن بوتين. لكنه ناشد، في تحريضه، كل من هم غير راضين عن القادة العسكريين. وقد حركت كلماته أنصار “الحرب حتى النصر”، أي أولئك الذين يدافعون ، مثلهم مثل بريغوزين، عن عسكرة الاقتصاد والتعبئة العامة وتطبيق الأحكام العرفية. الشيء الوحيد الذي يمكن أن يحققه تطبيق “برنامج العمل” هذا في الواقع هو تغيير الحالة المزاجية بين العمال والجنود العاديين من الدعم السلبي للحرب إلى الرفض النشط. وهو الشيء الذي يمكن أن يؤدي، مع تفاقم الأزمة الاقتصادية والاضطراب السياسي، إلى وضع ثوري.

كان هذا يمثل على الأقل خطرا محتملا وإحدى النتائج غير المقصودة لتصرفات بريغوزين. ومع ذلك فإن الوضع الثوري الحقيقي لا يتسم فقط بالمعارضة العلنية للسلطات وعجز القيادة عن الحكم كما كانت تفعل في السابق، بل أيضا بفقدان السيطرة من جانب الطبقة السائدة، وحتى ظهور ازدواجية السلطة.

لكن وإلى حدود اللحظة لم يستفز انقلاب بريغوزين الجماهير لدخول المشهد. في الوقت الحالي ما تزال السلطة متماسكة، و”البريغوزينيون” معزولون سياسيا. لقد تسارعت مسيرة التاريخ، لكننا لم نشهد بعد تدهورا حادا في مستوى معيشة الجماهير، وخيبة أمل واسعة النطاق من جانب غالبية الروس في نظام بوتين، وزيادة حادة في نشاطهم السياسي. ما تزال الطبقة العاملة اليوم تكتفي بالفرجة في هذا المسرح الدرامي، أو بالأحرى السيرك. لم يعمل أي من طرفي هذا الصراع على دعوة الجماهير للمشاركة النشطة إلى جانبه، لكنهما يفضلان أن تكون مؤيدة متحمسة (لكن عاجزة) على الهامش.

إن الوضع الذي نشأ هو اختبار حاسم لليسار الروسي. هذه المرة قد تكون حياتهم على المحك. وهنا صار العذر المألوف بكونها معركة “الضفدع والأفعى”، عذرا غير مناسب [“معركة الضفدع والأفعى” تعبير روسي يعني أنه لا داعي لدعم أي من الجانبين، ولا يوجد لدينا أي سبب لاتخاذ أي إجراء]. ذلك العذر، في الواقع، يعني التقاعس، التقاعس الإجرامي. لقد حان الوقت لإمساك الثور من قرنيه.

نحن لا ندعو الجماهير للاختيار بين بريغوزين وبوتين. إننا ندعو إلى الفعل: الفعل السياسي المستقل لصالح الطبقة العاملة. يجب على كل شيوعي روسي أن يجيب بصدق عن هذا السؤال: هل أنا مستعد؟

ما الذي يجب عمله؟

أولا، يجب صياغة مطالب سياسية واضحة واقعية والترويج لها بين الجماهير. لا يمكننا، في الوضع الحالي، الدعوة إلى “النشاط العملي” الذي لا يساهم في تسييس الجماهير وفي النمو المنهجي للوعي الطبقي للجماهير، مثل البناء البطيء للنقابات العمالية والتعاونيات الاجتماعية، وما إلى ذلك. هذا النهج عفا عليه الزمن يوم أمس. لم يعد له أي معنى اليوم. لا يمكن حل التناقضات الاجتماعية والاقتصادية الرئيسية لروسيا الحديثة إلا بالوسائل السياسية.

ثانيا، يجب علينا أن نترك المساحات المريحة على الإنترنت وفي المبادرات المحلية، وأن ندخل الحياة الحقيقية. نحن ندرك أنه في الظروف الحالية من الصعب جدا، بل وحتى الخطير، القيام بدعاية سياسية مفتوحة. لكن العمل على قنوات يوتيوب وشبكة الإنترنت قد بدأ يحل محل العمل الحقيقي للمناضلين، وصار يحول اليساريين إلى مجرد مستهلكين للمحتوى. الإنترنت وحده لم يكن قط المنصة الرئيسية للحركة اليسارية في روسيا، ولا يمكنه أن يصير كذلك. كم من الأشخاص الذين تم كسبهم إلى المنظمات اليسارية من خلال الآلاف من مدونات LiveJournal؟ كم من المشتركين في قنوات كبار المدونين أصبحوا ناشطين سياسيين؟ قلة قليلة فقط. وفي المقابل فإن كل اتصال شخصي، كل منشور مباشر، وكل مشاركة في نضال عمالي، بل وحتى أصغر الأنشطة الجماعية، ناهيك عن النقاش الصريح والمفتوح لموقف المرء بين أقرانه، يرفع وعي الجماهير بشكل أكثر فاعلية بكثير من دزينة من أشرطة الفيديو على يوتيوب.

ثالثا، يحتاج اليسار والطبقة العاملة بأكملها إلى موقف مناهض للحرب علني ولا لبس فيه، ويجب تقديمه للشعب. أجل إن هذا مصحوب بمخاطر جسيمة وباحتمال التعرض للقمع. لكن الأحداث الأخيرة أظهرت، بشكل أفضل من أي تصريحات، خطورة الحرب المستمرة وأثبتت أنه إذا فشل اليسار في القيام بدعاية مناهضة للحرب في الحياة الواقعية، فلن يصبح موقفه شائعا بين الأغلبية.

من السذاجة الاعتقاد أن الجماهير، في وقت الأزمة، ستأتي مهرولة بحثا عن الشخصيات الإعلامية البارزة. إنها سوف تبحث عن أولئك الذين تعرفهم في الحياة الواقعية والذين شاهدت ممارساتهم بأعينها. بهذه الطريقة سنجد بالطبع عددا من المبتدئين أقل من عدد المعلقين الذين تحولوا إلى شخصيات إعلامية بارزة، لكن هؤلاء المبتدئين لن يقفوا على الهامش، بل سوف يصبحون ناشطين سياسيين.

رابعا، بالإضافة إلى المطالب الاجتماعية والاقتصادية، يجب علينا أن نرفع مطالب ديمقراطية. نحن نناضل من أجل ديمقراطية عمالية حقيقية، من أعلى المجتمع إلى أسفله. إن الدعاية النشطة لموقف مناهض للحرب وللأفكار الشيوعية والديمقراطية العمالية ورفض العسكرة ستحرض مفجري الثورة، أي: الشباب.

لقد حان الوقت لاتخاذ القرار بالنسبة لمعظم المناضلين. هل سنبقى على الهامش على أمل أن تتجاوزنا التعبئة القادمة أو القنبلة القادمة؟ أم أننا سنشارك في بناء تنظيم للكوادر الثورية، مستقل عن الطبقة الرأسمالية والدولة، ومحصن ضد كل من خطابهم “الوطني” أو “الاجتماعي”.

علينا أن نحمل، الآن فورا، أجندة مناهضة للحرب قائمة على أساس طبقي إلى التجمعات العمالية والمنظمات النقابية العمالية. علينا أن نحمي ونطور استقلالية المجموعات الطلابية ذات التفكير الحر. لكن ومن أجل محاربة السلطات القمعية و”بديلها” الرجعي، نحتاج في النهاية إلى منظمة سياسية. شكلوا مجموعات التضامن في أماكن عملكم، وناقشوا الأحداث الجارية، وانضموا إلى المجموعات السياسية القائمة التي ترفع مطالب تقدمية!

لقد كانت منظمتنا من أوائل المعارضين للحرب. وبادرنا إلى تشكيل تحالف الماركسيين الأمميين؛ ونظمنا حملات عديدة للدفاع عن السجناء السياسيين، ولا سيما زعيم حركة سعاة البريد، كيريل أوكراينتسيف؛ وعقدنا مؤتمر الوحدة في ماي، لتشكيل منظمة الشيوعيين الأمميين. لقد أثبتنا بالأفعال أنه من الممكن مقاومة النظام أثناء وجودنا داخل روسيا. وقد شرحنا منظورنا ومطالبنا في برنامج منظمة الشيوعيين الأمميين. فإذا كنتم تتفقون على كل ما سبق، انضموا إلى منظمة الشيوعيين الأمميين.

  • ضد بوتين! ضد بريغوزين!
  • نعم للسلام لمجتمعات العمال. نعم للحرب على القصور!
  • إذا لم نفعل نحن ذلك، فلن يفعل أحد!