ما الذي كان سيفكر فيه كارل ماركس؟ عدد جديد يصدر الآن!

يفتخر التيار الماركسي الأممي بتقديم نسخة الشتاء عام 2022 من مجلة “الدفاع عن الماركسية” النظرية. تتناول المقالة الأساسية في هذا العدد المدرسة النمساوية للاقتصاديين التي حاولت “دحض” نظرية ماركس الاقتصادية وإمكانية التخطيط الاشتراكي. ننشر هنا المقالة الافتتاحية لرئيس التحرير الرفيق آلان وودز.

[Source]

في العدد الأول من المجلة التي أعيد إطلاقها حديثاً “الدفاع عن الماركسية”، تناولنا القضايا المتعلقة بالفلسفة الماركسية، بينما ركز العدد الثاني على مسألة المادية التاريخية. في العدد الحالي، ننتقل إلى الجزء الثالث مما وصفه لينين بـ “مصادر ومكونات الماركسية” – أي الاقتصاد.

المقال الرئيسي في العدد الحالي هو لآدم بوث – المدرسة النمساوية للاقتصاد: متعصبو السوق الحرة الرأسمالية – هو جدال ضد أحد أهم عناصر النظرية الاقتصادية البرجوازية، عقيدة السوق الحرة، وعلى وجه الخصوص، الرجل الذي يمكن اعتباره منظرها الملهم والمعلم، فريدريك هايك.

كان البيان الشيوعي لعام 1848 قد أشار بالفعل إلى التقدم الكبير الذي حققته الرأسمالية في فترة صعودها. لكنه أيضاً أوضح التناقضات المتأصلة وغير القابلة للحل التي تكمن فيها، والتي تتعرض بشكل دوري لأزمات تهزها حتى أسسها.

يعزو متعصبو السوق الحرة مثل هايك هذه الأزمات إلى عوامل ذاتية: عدم مسؤولية المستثمرين، وغطرسة محافظي البنوك المركزية، والأنشطة المتطفلة للمنظمين الماليين الذين يصرون على التدخل في السوق الحرة، بدلاً من السماح لها بممارسة سحرها دون مساعدة من قبل الدولة.

هذه “النظريات” المزعومة لن تقنع أي شخص جاد اليوم. في مواجهة كارثة تلوح في الأفق، اضطرت الطبقة السائدة إلى إلقاء جميع النظريات الاقتصادية التي كانت مقبولة في سلة المهملات. الدولة نفسها التي، وفقاً لنظرية السوق الحرة، يجب أن تلعب دوراً ضئيلاً أو لا تلعب أي دور في الحياة الاقتصادية، أصبحت الآن الشيء الوحيد الذي يدعم النظام الرأسمالي.

بالفعل، اعتباراً من عام 2009، اعترف الخبير الاقتصادي الشهير بول كروغمان أنه على مدار الثلاثين عاماً الماضية كانت معظم نظرية الاقتصاد الكلي “عديمة الجدوى بشكل مذهل في أحسن الأحوال، ومضرة بشكل مباشر في أسوأ الأحوال”. سيكون هذا عزاءً مناسباً للاقتصاد البرجوازي عموماً، وهراء السوق الحرة للرجعيين مثل هايك على وجه الخصوص.

ما الذي كان سيفكر فيه ماركس؟

أثناء إعداد الملاحظات لهذه الافتتاحية، وجدت مقالاً نُشر في مجلة “Businessweek” في 27 يونيو/حزيران 2013 بعنوان مثير للاهتمام: “ما الذي كان سيفكر فيه كارل ماركس؟”

لقد بدأ المقال بسرد حنين إلى الأيام الخوالي، عندما انفتح الاقتصاد العالمي في أعقاب انهيار جدار برلين والاتحاد السوفيتي في أواخر الثمانينيات القرن الماضي.

يؤكد الماركسيون أن العقبات الرئيسية أمام تطور قوى الإنتاج في ظل الرأسمالية هي: 1) الملكية الخاصة، و 2) الدولة القومية. لكن، على الأقل لفترة مؤقتة، نجح الرأسماليون في التغلب على العقبة الثانية من خلال توسع لا مثيل له في التجارة العالمية.

أعطى دخول الصين والهند و اقتصادات أخرى إلى الاقتصاد العالمي فرصة جديدة للحياة في ظل ما سمي بـ “العولمة” – وهي كلمة عملت على التعبير عن تكثيف التقسيم العالمي للعمل، مصحوباً بالتكامل السريع لرأس المال والتكنولوجيا والأشخاص والمعلومات عبر الحدود القومية.

تنبأ ماركس وإنجلز بهذه الظاهرة في صفحات البيان الشيوعي. كانت القوة المحركة الرئيسية للنمو السريع للاقتصاد العالمي، مما سمح للرأسمالية بإقامة توازن معين لعدة عقود.

بحلول الوقت الذي ظهر فيه المقال في “Businessweek”، تضاعفت التجارة العالمية ثلاث مرات مقارنة بأوائل التسعينيات، مما يعكس التدفق الحر المتزايد للسلع والاستثمارات والأفراد والأفكار. في ذلك الوقت، بدا كل شيء وردياً في الحديقة الرأسمالية. أعلن فرانسيس فوكوياما بانتصار نهاية التاريخ.

انتفخت ثقة جديدة لدى الطبقة الرأسمالية والمدافعين عنها. أخيراً، تم طرد شبح الشيوعية، أو هكذا اعتقدوا.

لكن وراء هذا الانتصار، كانت السحب الداكنة تتجمع بالفعل. على الرغم من كل شيء، اعترف نفس المقال بنبرة مقلقة: “مع ذلك، يظل ماركس راهني بشكل لا يصدق”. ومضى ليشرح لماذا:

البحث الشامل والأكثر جوهرية في الأسباب طويلة المدى يعكس وجهة نظر ماركس بأن الرأسمالية وعدم الاستقرار وجهان لعملة واحدة.

وأضاف المقال:

الحجة التي قدمها ماركس والتي تكتسب أتباعاً حول العالم هي أن الرأسمالية لديها ميل داخلي نحو التوزيع غير العادل وغير الصحي للثروة والدخل.

حتى أن المقال اقتبس من “رأس المال”، حيث كتب ماركس: “تراكم الثروة في أحد القطبين، بالتالي، هو في نفس الوقت تراكم للبؤس في القطب الآخر”.

هذه الكلمات، المكتوبة منذ أكثر من 150 عاماً، هي وصف صادق للعالم الذي نعيش فيه اليوم.

عالم ممزق

لا حاجة للتعليق على العواقب الاقتصادية للأزمة الحالية. لقد تعاملنا مع هذا مرات عديدة في العديد من المقالات والوثائق.

على عكس ما يعتقده كثير من الناس، فإن الجائحة لم تتسبب في الأزمة الحالية. لقد أدت فقط إلى تفاقم التناقضات الموجودة بالفعل.

حتى قبل الجائحة، كانت العولمة – النظام التجاري المفتوح الذي سيطر على الاقتصاد العالمي لعقود – في أزمة. أدى التوسع السريع في التجارة العالمية إلى شبكة متزايدة التعقيد من سلاسل التوريد. مكنت تكاليف النقل المنخفضة جداً من تجميع البضائع التي ربما تم إنتاجها في الصين في الهند، وتعبئتها في ألمانيا، وبيعها في كندا.

لكن التعقيد الشديد لشبكة خطوط الإمداد هذه يمثل كعب أخيل للصرح الهش للعولمة بأكمله. لم يتطلب الأمر الكثير من الجهد من جانب دونالد ترامب لإرباكها. وكانت سياسته “أمريكا أولاً” والحروب التجارية التي نتجت عنها أوضح تعبير عن ذلك.

ومن المفارقات أن الانتعاش الحالي غير المستقر، البعيد عن حل أي شيء، قد كشف بقسوة كل خطوط الصدع هذه. لقد اجتمعت كميات ضخمة من النقد التحفيزي – تصل إلى عشرين تريليون دولار – مع تحولات عالمية دراماتيكية في الاستهلاك وإطلاق العنان لفيضان من الطلب المكبوت لتطغى تماماً على القدرة الإنتاجية وسلاسل التوريد.

تم التعبير عن ذلك في الظهور المفاجئ لجميع أنواع الاختناقات. أدى نقص العمالة و تعطل خطوط الإمداد بدوره إلى منع الموردين من الوصول إلى العملاء، مما تسبب في حدوث فوضى في الأسواق وارتفاع الأسعار.

تشكلت طوابير طويلة من سفن البضائع خارج الموانئ المزدحمة التي لم تتمكن من تفريغ بضائعها في مستودعات ممتلئة حتى السقف مع طرود لا يمكن جمعها بسبب نقص سائقي الشاحنات.

يتفشى التضخم في كل مكان، مما يعمق السخط الاجتماعي ويؤدي إلى انهيار مستويات المعيشة، وينشر عدم الاستقرار الجيوسياسي. وطوال الوقت، يتزايد خطر القومية الاقتصادية، حيث تحاول كل دولة تلقي بعبء الأزمة على أكتاف جيرانها.

في الآونة الأخيرة، كانت فرنسا وبريطانيا تتنازعان على حقوق الصيد واللاجئين، في حين أن التوازن الهش لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مهدد بالمأزق حول أيرلندا الشمالية، يتحدث مسؤولو الاتحاد الأوروبي عن “الحكم الذاتي الاستراتيجي” ويقومون بإنشاء صندوق لشراء حصص في الشركات، تحث الولايات المتحدة الشركات على بناء مصانع في الداخل، وتستمر الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في تهديد انتعاش التجارة العالمية، وتهدد دول مختلفة بتطبيق تعريفات جمركية عقابية.

لم تظهر فوضى الرأسمالية بهذه القسوة من قبل.

الرأسمالية والجائحة

في الوقت الذي كان السياسيون الغربيون يهنئون أنفسهم بنجاح مشاريع التطعيم الخاصة بهم، تسببت الأخبار عن متحور جديد وأكثر خطورة في جنوب إفريقيا على الفور في حالة من الذعر في أسواق الأسهم.

وقد كشف هذا على الفور فشل ما يسمى بالسوق الحرة في حل أخطر المشاكل التي تواجه البشرية. تحقق شركات الأدوية الكبرى أرباحاً فاحشة، بينما يُترك ملايين الفقراء في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ليموتوا بشكل مروع بسبب نقص الرعاية الصحية الأولية.

لا يمكن تحقيق حل دائم فيما يخص الجائحة إلا من خلال خطة عالمية متضافرة تحشد جميع القدرات المادية والتقنية والعلمية على مستوى العالم للقضاء على هذا المرض في كل البلدان دون استثناء.

لا يمكن لنظام قائم فقط على الجشع والقمع والاستغلال أن يقدم مثل هذا الحل. يتم التعبير عن المصالح الضيقة للطبقة الرأسمالية لكل أمة في القومية الاقتصادية، وتقوية الحدود لاستبعاد ملايين الرجال والنساء والأطفال اليائسين الفارين من الحروب والمرض والفقر. وشعار الرأسماليين هو: “كل إنسان لنفسه، وليأخذ الشيطان الآخر”.

لكن الفيروسات لا تعرف الحدود. وبترك البلدان الفقيرة لمصيرها، فقد أوجدوا أرضاً خصبة لظهور طفرات جديدة ومميتة أكثر من أي وقت مضى، والتي يمكن أن تثبت في النهاية مقاومة أي لقاح. عاجلاً أم آجلاً، ستؤدي هذه التحولات الجديدة إلى إحداث فوضى في البلدان الرأسمالية المتقدمة، ولن يكفي أي قدر من القوانين والمحظورات وحرس الحدود لمنع ذلك.

بعد عامين من المعاناة المستمرة والموت في جميع أنحاء العالم، أصبح الرأي العام مضطرباً بشكل متزايد وفاقد للثقة في الحكام الذين أساءوا إدارة الأزمة، مهددين حياتهم وسبل عيشهم.

أثارت محاولة الحكومات الفاسدة وغير الكفؤة لمكافحة انتشار الفيروس من خلال إجراءات صارمة، احتجاجات عنيفة في شوارع روتردام وفيينا. وهذه ليست سوى البداية.

لكن دعونا الآن نعود إلى نقطة انطلاقنا.

في نهاية مقال “Businessweek”، يسارع الكاتب – الذي ربما أدرك أنه قد ذهب بعيداً بعض الشيء في مدحه لماركس، إلى تهدئة أعصاب قرائه المتوترة. بعد أن تسبب لهم في نوبة خطيرة من عسر الهضم، سعى إلى تزويدهم بدرجة معينة من الطمأنينة.

وأكد لهم أن “ماركس نبي الثورة مات. ويستمر ماركس المحلل الحاد في الإصرار على البقاء”. ويضيف الفكرة المطمئنة القائلة بأنه “لا يوجد شيء حتمي حول انهيار الرأسمالية”.

وحول هذه النقطة، يجب أن نقول إنه ليس مخطئاً. شرح لينين منذ زمن بعيد أنه لا يوجد شيء اسمه الأزمة النهائية للرأسمالية. يظهر كل التاريخ أن النظام الرأسمالي سوف يتعافى دائماً حتى من أعمق أزماته.

يمكنه وسيستمر في الترنح حتى يتم الإطاحة به من قبل الحركة الثورية الواعية للطبقة العاملة. ولكن هنا يجب أن نضيف كلمة تحذير، لقد استنفذ النظام الرأسمالي منذ فترة طويلة أي دور تقدمي ربما كان له في يوم من الأيام.

إنه يظهر الآن كل الملامح الفظيعة لمخلوق خرف فقد كل أسباب الوجود، لكنه يرفض الموت بعناد. المستقبل الذي تقدمه لا يمكن أن يكون سوى مستقبل بؤس لا نهاية له ومعاناة وأمراض وحروب وموت للجنس البشري. يكفي تشغيل الأخبار على القنوات التلفزيونية لرؤية الدليل على هذا.

ولكن هذا ليس كل شيء. قال ماركس ذات مرة أن الاختيار أمام الإنسانية هو الاشتراكية أو البربرية. إن عناصر البربرية موجودة بالفعل وتهدد وجود الحضارة ذاته. لكن يحق لنا الآن أن نقول إن استمرار وجود الرأسمالية يشكل تهديداً أكبر بكثير: لوجود الجنس البشري نفسه.

كانت المهزلة المثيرة للشفقة لمؤتمر “COP” للمناخ في جلاسكو بمثابة اعتراف بأن الطبقة الرأسمالية غير قادرة على مواجهة التهديد الوجودي الذي يخيم على كوكبنا. لا يمكنها حله لأن المشكلة تكمن في الرأسمالية نفسها.

دعونا نتحدث بصراحة: لكي تعيش البشرية، يجب أن يموت النظام الرأسمالي. هذه هي المهمة الأكثر إلحاحاً التي تواجهنا. واجب الماركسيين أن يجعلوا سعي الطبقة العاملة غير الواعي أو شبه الواعي لتغيير المجتمع واعياً.

14 يناير/كانون الثاني 2022

ترجم عن النص الأصلي:

What would Karl Marx think? New magazine out now!